سوق المقايضات، في اجتماع رباعي حول سوريا  

د. سميرة مبيض

٣٠ ديسمبر، كانون الأول ٢٠٢٢

 

أعلنت المواقع الإعلامية التابعة لجهات رسمية لكلاً من روسيا، تركيا وسوريا عن اجتماع بين وزراء دفاع ومسؤولين في أجهزة الاستخبارات في البلدان المعنية، ويعلم أي مطلع على سيرورة الأمور على الساحة السورية أن إيران لا يمكن أن تفوّت فرصة التأثير في مثل هذا الاجتماع، سأضيف لهم اذاً تأثير هذه الجهة الرابعة قبل تناول هذا

اللقاء ببعض النقاط من منظور مصالح الشعب السوري.

 

·      سواء صرحت الأنظمة المُشاركة في هذا الاجتماع للمواطنين السوريين بالحقائق أم لم يفعلوا فان هذا الاجتماع يدخل مباشرة في سوق المقايضات المُقابلة لبقاء نظام الأسد في السلطة لقاء مصالح الجهات الأخرى المُقابلة له. فبقاء نظام الأسد في السلطة يعتمد على صفقتين رئيسيتين لبيع المصلحة السورية، الصفقة الأولى هي اتفاقات تعاون عسكري واستخباراتي لمنع تواجد أي نشاط سياسي أو عسكري أو مدني مناهض له في الشمال السوري والصفقة الثانية هي استمرارية العمل على تعطيل المسار السياسي من قبل هذه الجهات لمنع أي تغيير جذري يذهب نحو التغيير السياسي في سوريا والاستعاضة عن ذلك بتطبيق مخُرجات أسواق الصفقات العسكرية والاستخباراتية.

 

·      الثمن المُقابل لهذه المطالب المُقدمة من قبل نظام الأسد هو التغاضي عن مزيد من التمدد التركي في الشمال السوري وتشريع هذا الوجود باتفاقيات أمنية سواء كانت معلنة أو ضمنية على غرار اتفاقيات تخليه عن المطالبة بإسكندرون، ويدخل هذه التمدد تحت بند مُحاربة الإرهاب الذي تنتجه هذه الجهات ذاتها ليخدم أهدافها. 

 

·      يدخل هذا الاجتماع في سوق المقايضات على مصالح النظام التُركي أيضاً، ففي مُقابل تنفيذ هذه المُطالب يسعى النظام التركي الحالي لضمان مكاسب في الانتخابات القادمة وتشريع تمدده على الأراضي السورية على حساب مصالح السوريين بشكل حصري ورئيسي.

 

·      غياب إيران عن الظهور العلني في مثل هذه الاجتماعات، لدرء تداعيات محلية وإقليمية ودولية لمُشاركتها، لا يعني غيابها عن التأثير وعن المشاركة الزبائنية في سوق المقايضات السياسية هذا، فالنظام الإيراني الحالي يسعى للاستمرار كجزء لا يتجزأ من المنظومة القديمة البائدة ويعتمد على حصوله على دعم هذه النظم القديمة المُتهالكة بمواجهة ثورة التغيير القائمة والمُستمرة في إيران ذاتها. كما تسعى إيران للتمدد في شمال شرق سوريا وفي جنوبها عبر أذرعها السابقة مروراً بالعراق أو مروراً بجنوب لبنان وتفاوض نظام الأسد على هذا التمدد ذو البعد الأيديولوجي والاقتصادي ويدخل في هذا السياق أيضاً تزامن زيارة مسؤول في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المقرب من إيران لشمال شرق سوريا ولا ينفصل عنه. 

 

·      تتجلى المصالح الروسية عبر جمع هذه الاطراف على طاولتها، باكتساب ورقة سياسية هامة ستستخدمها للضغط الدولي ضمن ملفاتها الأخرى في أوروبا وحلف الأطلسي وسواها، إضافة الى تحقيق مصالح اقتصادية واستراتيجية في مواقع تواجدها في سوريا على المدى المتوسط أو الطويل. 

 

بناء على ما سبق وهو غيض من فيض وحسب، يعتبر سوق المُقايضة هذا بمجمله بعيداً عن طموحات السوريين باستعادة إمكانيات سوريا ذاتية البقاء والمُرتبط بدوره باستعادة ما اقتطع من أراضي السوريين ومواردهم والامتداد الطبيعي لبُناهم المُجتمعية المتنوعة وبتحقيق التغيير السياسي في بلادهم. وهو من هذا المنطلق مرفوض بالمطلق، بمُخرجاته وأدواته فها هو مصير الشعب السوري يتحدث به نظم عسكرية واستخباراتية وليس للدولة السورية وحسب بل لنظم عسكرية واستخباراتية بالية لعدة دول إقليمية تحاول منع النهوض الإنساني في المنطقة برمتها، فيا للبعد الشاسع بين دولة القانون والحداثة وبين حقوق المدنيين والمواطنة وبين مساعي هذه الجهات. 

 

يُفضي ذلك الى ضرورة مطالبة ما يُعرف بالكيانات السياسية المُعارضة، عن التصريح العلني وعلى رؤوس الأشهاد وبكافة شخوصها عن موقفهم تجاه تصريحات الرئيس التركي وتجاه اللقاء الأخير بين مسؤولين عسكريين وأمنيين في هذه الدول. ومطالبتهم التوقف عن التلاعب بمصير ملايين السوريين بادعاء عملهم لتطبيق وتنفيذ القرارات الدولية القاضية بالتغيير السياسي في سوريا فإما التصريح علانية عن رفضهم لهذه المواقف كائنة ما تكون النتائج أو فليكفوا عن ادعاء تمثيل مطالب السوريين في أي منبر محلي أو إقليمي أو دولي ويخرجوا من ساحة العمل السياسي بمجمل مسمياتهم وما يدور في فلكها ان لم يفعلوا، عوضاً عن استمرار رهن صوت مزيف لدول ساعية لقتل سوريا وتقاسم أراضيها ومواردها والتخلي عن أبنائها في البحر أو في البراري كلاجئين هاربين من الموت أو اعادتهم لحكم الأسد ولمصير مجهول دون ضمانات بأدنى أسس البقاء على الحياة وهي أمور لا مُقايضة عليها من قبل كل من يهتم بمصير ملايين المدنيين الذين رفضوا الخضوع للظلم وثبتوا على حقهم بحياة حرة كريمة. 

 

 

مرة تلو مرة وخطوة تلو الأخرى، ليكن موقفنا واضحاً تجاه العابثين بأرضنا وبهويتها وبمصير أهلها، فالهوية السورية واقع وهوية قائمة يكفي أن تجد صوتاً واحداً يُدافع عنها للتصدي لهذا الأخطاء السياسية المُتراكمة بتجاهلها فلا يعلم العابثون بمستقبل سوريا ما هو مصير بلدانهم ذاتها ان هم تغافلوا عن موقع السوريين في بناء توازن المنطقة واستقرارها وأمنها، فلن نتوانى عن التذكير بحقنا لعل يقظة الوعي المطلوبة اليوم تتسارع لما فيه خير الجميع.

Download
للاستماع للمقال د . سميرة مبيض
للاستماع لمقال سوق مقايضات-2022-12.mp3
MP3 Audio File 5.0 MB